إعداد التقرير التلفزيوني
المقدمة
يعد التقرير التلفزيوني واحدا من المصادر الخبرية المهمة في ايصال المعلومة الى المشاهد بطريقة تختلف عنها من المصادر الاخبارية الاخرى ، كما تختلف فكرة ايصال تلك المعلومة من مراسل الى اخر بالايجاب او السلب ، بأداء مشوق او ضعيف . ولكي نصل الى ما يبتغيه المشاهد ، ولكي يواصل ايضاً متابعته للشاشة البيضاء لابد من توفير مايلزمه على المتابعة؛ بطريقة فنية وذكية تعتمد على العديد من الاليات والادوات وبمهارة من المراسل الذي يعد هو واحدا من تلك المسميات والعناوين في اية مؤسسة اعلامية خبرية. .
-1-
التقرير التلفزيوني
كما هو معروف ان كتابة التقرير التلفازي وان اختلفت الرؤى بشأنها من قبل المعنيين وكذلك من مراسل الى اخر ، الا ان الجميع يتفق على ضرورة ان تعكس القدرة على ايصال الفكرة بمدة زمنية قصيرة ما يحتاج ذلك الى جهد من قبل المراسل يختزل فيه الحدث او القصة بجمل وكلمات مركزة وبصورة متناسقة ومناسبة للتقرير المعد ، ليتمكن من خلال ذلك كله من ايصال ما كان قد حدث الى المشاهد بدقائق معدودة . ما يشكل ذلك بحد ذاته تحديا كبيرا الى كاتب التقرير في ابراز امكانياته في استخدام ادواته بالشكل المقبول واللائق والجذاب لدى المشاهد. ولايصال الفكرة بطريقة اخرى وبصورة اكثر ايضاحا هذا مثال يوضح مقدار الجهد الذي يبذل من اجل اعداد خطاب بمدد زمنية مختلفة :
عندما سُئل الرئيس الأميركي الأسبق وودرو ويلسون عن المدة التي يحتاجها لإعداد خطاباته، أجاب : "الأمر يعتمد على مدة الخطاب... إن كان عشر دقائق، أحتاج أسبوعاً. إن كان خمس عشرة دقيقة قد أحتاج ثلاثة ايام... و إن كان لنصف الساعة يتطلب الأمر يومين من الإعداد... أما إن كان الخطاب مدته ساعة، فأنا مستعد الآن...". ربما قد يجد الرؤساء مشكلة حقيقة في التعبير عن أفكارهم في المدة المُفترضة للتقرير التلفازي، التي يجب ألا تزيد عن ثلاث دقائق. و يعكس ذلك حقيقة أنه كلما احتاجت الفكرة للتوضيح في دقائق معدودة، كلما احتاجت لمزيد من الجهد لإعدادها بصورة مرضية، و بالطبع كلما ازدادت عملية الإعداد صعوبة و تعقيداً. و هنا يكمن التحدي الذي تواجهه عملية إعداد التقرير التلفازي: كيف يمكنك أن تروي موضوعات معقدة لجمهور لا تعرفه و لا تراه، بصورة تجعله مندمجاً و منفعلاً معك في مدة قصيرة جداً لا تتعدى الدقائق الثلاث. لكن لا تتشاءم... فمكونات العمل التلفازي من صوت و صورة و كلمات، إضافة إلى الوجود الميداني في موقع الحدث؛ تقدم أدوات كافية إن أحسنت استغلالها لتحقيق تلك الغاية. ولكي يمكن اعداد تقرير تلفازي مطلوب من المراسل او كاتب التقرير الإجابة على تساؤلات المشاهد التالية:
ماذا حدث؟ ما هي التطورات الأخيرة لما حدث؟ وما القضايا التي يجب عليّ أن أفهمها للربط بين تلك التطورات؟ كما ايضا يتساءل
لماذا يُعتبر ما حدث مهماً؟ و ما الذي يعنيني من ما حدث؟ ..ولكي ينجح في تقديم إجابات عن تلك الأسئلة عليه أولاً أن يلم بها، ثم عليه أن يتمكن من نقلها إلى المشاهد بطريقة جذابة وسهلة. . و في ما يلي إيجاز مواصفات التقرير التليفزيوني الجيد:
- 2 -
- وحدة الموضوع: بمعنى التقرير يجب ان لا يبحث أكثر من قضية. لايمكن أن يتناول تقرير من داخل مجلس النواب العراقي ازمة اختيار رئيس للمجلس .. و كذلك اتهامات الفساد التي تواجهها كذا وزارة عراقية.وفي بعض الاحيان ً يمكن للمراسل الجيد الربط بين موضوعين فقط إن كانت بينهما علاقة عضوية و منطقية.مع الحذر من استخدام بعض ا لجمل للربط بين الموضوعين: "من جهة أخرى... أو من ناحية أخرى... أو ميدانياً... أو على الصعيد الداخلي؛ كلها محاولات لتبرير الفشل في العثور على موضوع موحد.
- مطلوب ايضا استخدام جمل لقصيرة تسمح لقارئ التقرير بالتقاط أنفاسه كل 3 - 5 ثوان، و هي المدة نفسها التي يحتاجها المشاهد لالتقاط أنفاسه ايضا لان لجمل الطويلة تكون معقدة بطبيعتها، و يصعب على المونتير منتجتها بسهولة ، و تجعل المشاهد في الوقت نفسه يلهث وراء المعلومة ، كما أنه من الصعب على المراسل قراءتها بشكل تلقائي. - و ما بين التقاط النفس و الآخر يجب على المراسل أن يترك الصورة تتنفس.ومن الافضل ايضا تعزيز التقرير بالأصوات الطبيعية المصاحبة للحدث . لكن في الوقت ذاته مطلوب الحذر من المبالغة في إبراز الأصوات المصاحبة من دون مبرر موضوعي.
- ان التقرير الجيد يجب أن يُقسم إلى أجزاء منطقية أو Sequences؛ كل جزء منه لا يزيد على 20 ثانية او اقل من ذلك بقليل. و الجزء أو السياق أو الـ Sequence هو إما موضوع واحد أو موقع جغرافي واحد، داخل المدينة نفسها، أو تمهيد لمقتطف صوتي، أو المقتطف الصوتي نفسه. و يساعد هذا التقسيم المشاهد على فهم السياق العام للقصة.
- ان كتابة النص او التقرير يجب أن تسير في اتجاه واحد في المدة الزمنية : إما من الأحدث إلى الأقدم أو العكس، و لا يُفضل استخدام الاتجاهين في نفس التقرير. - كما يجب أن يسير السياق المكاني في اتجاه واضح، أي إن بدأت من موقع ما و اتجهت إلى موقع آخر يمكن فقط العودة في نهاية التقريرإلى الموقع الأول، لكن بالتأكيد لا يمكنك التحرك أكثر من ذلك.
- اذا ا ستخدمت مقتطفات صوتية داخل التقرير يجب أن يتم التمهيد لأصحابها في النص بتعريف إلى أي اتجاه ينتمون، و في الصورة بأن نشاهدهم في أماكنهم الطبيعية يمارسون حياتهم اليومية و ذلك قبل أن يبدأوا بالحديث. كما ان استخدام الكرافيكس في التقرير لا يجب أن يعكس بشكل مفضوح نقص في المادة الفيلمية بل يجب أن يكون في سياق توضيح معلومات و بيانات من الصعب توضيحها من دون استخدام الكرافيكس (كالأرقام، و الإحصائيات، و نتائج استطلاعات الرأي، و نتائج الانتخابات ، حادث لسيارة ).
-3 -
- في بعض الاحيان يتم استخدام صور ارشيفية وهنا يجب ان يكون الاستخدام في سياق واضح و مُعلن لا أن يخدع المشاهد و يجعله يخلط بينها و بين الصور الحديثة. و سياق الصور الأرشيفية يجب أن يكون في اتجاه واحد، أي أن تستخدمها في موقع واحد لا أن تستخدمها ثم تعود إلى صور اليوم ثم تعود مرة أخرى إلى الأرشيف. ينطبق ذلك على الصور الأرشيفية التي ترجع إلى سنوات مضت أو تلك التي تعود إلى الأسبوع الماضي.
- اذا كان لابد من ظهور المراسل في التقرير إن كان ميدانياً يجب أن يكون مبرراً و أن يضيف الكثير إلى شعور المشاهد بروح الموضوع.
عناصر التقرير :
يتألف التقرير من عناصر لابد من توفرها ليستكمل بناؤه :
رواية القصة : حيث تمثل رواية القصة العنصر الأول من تلك العناصر، و تشتمل على ما يلي:
- تحديد الموضوع : على المراسل لكي يكون ملما بمادته الخبرية وان تكون روايته مقبولة بصورة جيدة عليه قبل ان يبدأ يتوقف ويسأل
نفسه : ما هو الموضوع؟ ما هي القصة؟ فليس من المعقول اختيار أكثر من موضوع داخل التقرير الواحد. فتقرير امني عن انفجارات عدد من في العراق في يوم واحد لا يمكن أن يتناول كذلك مؤتمرا لزعماء القبائل او العشائر او لسياسيين للبحث عن معالجات للازمة السياسية وما يمر به البلد .. وفي كل الاحوال لابد من التشاور مع رئيس القسم أو رئيس تحرير النشرة الاخبارية . مع الاخذ في الحسبان أنه بإلامكن إقناع المشاهد بالتقرير أكثر إن تناول موضوعاً محدداً. لكن في الوقت ذاته يمكن الربط بين عدد من العناصر الخبرية إن حدثت مجموعة من الانفجارات في دولة ما لاتربطها أية علاقة، حيث ان موضوع التقرير في هذه الحالة لن يكون الانفجارات بل سيكون الوضع الأمني. في كل الأحوال على المراس أن يسعى جاهداً لضمان وحدة مترابطة للموضوع تسمح للمتلقي و للمشاهد فهم ما يجري.
ومن البديهي ان كل موضوع يتضمن عدداً كبيراً من العناصر الخبرية، و التي قد تتوفر لدى للمحطة او المراسل لصور لها و قد لايتوفر للبعض الآخر. فعندئذ لابد من استبعاد العناصر الثانوية و تلك التي قد تزيد الموضوع تعقيداً قبل الخوض في كتابة التقرير.
- 4-
* لابد ان يدرك المراسل ان تعدد العناصر يشتت المشاهد و لا يزيد من قيمة التقرير على عكس ما يعتقد البعض.
* كما عليه ان يدرك ايضا ان أسوأ التقارير هو ذلك الذي يحتاج إلى أن يشاهد مرتين لكي يفهم بشكل كامل.
- البناء
ويقصد به هيكل التقرير.وحيث تتخيل نفسك جالساً في غرفة تروي قصة لجمع من الحاضرين. بإمكانك في هذه الحالة ربما أن تتابع مدى استيعابهم لما تقول. و قد تعتمد في طريقة سرد ما تبقى من القصة على التغذية المرتدة التي توفرها لك ملاحظاتك أو الأسئلة التي قد يوجهونها إليك.
في عالم الصحافة التلفازية لايمكنك ذلك. عليك أن تجد طريقة منظمة لرواية القصة. البناء الأسهل للتقرير التلفازي قد يكون ذلك المعتمد على التسلسل الزمني. لكن الكثير من الموضوعات الخبرية معقد، و لا يمكنك الاستناد في رواية معظم تلك الموضوعات على التسلسل الزمني. من هنا عليك أن تربط بين كل مجموعة من أجزاء التقرير برابط منطقي. من السهل تقسيم التقرير إلى أجزاء مبنية على العناصر الخبرية و على المادة الفيلمية المتعلقة بها. قم بعد ذلك بمحاولة الربط المنطقي بين هذه الأجزاء بحيث تبدو و كأنها ممسكة بأيدي بعضها البعض. . فضلا عن ذلك يمكن للمراسل استخدام منطق اللغة و كلمات مثل: "من ثم... و بالتالي... غير أن... على الرغم من ذلك... بالقرب من هذا المكان... على بعد كيلومترات عدة من... على بعد ساعات من... من أجل ذلك... و هنا يكمن السبب وراء... بعد ساعات من... بعد مرور عام تقريباً على". هذا التزويق يعطي التقرير صورة من القبول والتشويق للمتابعة . . و من ناحية الصورة، على المراسل أن يبدأ كل جزء بصور ذات صلة بتلك التي اختتم بها الجزء السابق.
- الترتيب الزمني
- 5-
لطالما ما يُقال يجب أن تبدأ التقارير التلفازية بالصور الحديثة أو بتلك الأكثر تأثيراً. لكن حقيقة الأمر ليست هذه أو تلك قاعدة ملزمة. ففي كثير من الأحيان قد تبدأ تقريرك بلقطات ليست الأحدث و لا الأكثر تأثيراً لكنها الأقرب إلى البناء المنطقي لموضوعك الذي أنت مقدم عليه. فالزمن خاص جداً بالتقرير. و التقرير الجيد هو الأقرب إلى الفيلم السينمائي الذي يختصر زمنياً مراحل معينة و يستطرد في مراحل أخرى. الهدف هو الحبكة الدرامية الإنسانية.
ومن المشكلات الشائعة عند بناء النص أن تتم إثارة فضول المشاهد في اتجاه معين من دون الإجابة على التساؤل اللاحق. كما هو الحال في المسلسلات الدرامية السيئة التي أحياناً ما تدفع بالمشاهد إلى أن يتساءل: "ثم ماذا جرى لفلان؟ لماذا لم يتمكن من العودة إلى بيته؟" أحياناً ما يرتكب التقرير التلفازي الخطأ نفسه، فيعرض معلومة ناقصة ضمن البناء الدرامي. اذن من هنا على المراسل أن دراية بما يدور في ذهن المشاهد من أسئلة ويستخدمها لزيادة جرعة التماسك الهيكلي عن طريق حسن اختيار موقع الإجابة عليها ضمن بناء التقرير.كأن تأخذ نماذج من كل الاطراف المستفيدة والمتضررة من حدث ما .
لا يوجد حالياً أي تعليق