مفهوم الدعاية ونماذجها.. مقدمة تاريخية وتعريفات موجزة - الجزء الاول
من بحوث ودراسات الدكتور القديربرهان الشاوي التي نود ان تطرح للبحث والمناقشة بين أعضائنا الكرام ونستميح الدكتور الشاوي عذرا لنشره وانما نريد المنفعة العامة.
د. برهان شاوي
يفهم المرء بشكل عام تحت مصطلح (الدعاية), التي يطلق عليها في اللغات الأوربية لفظ (بروباغاندا) ، تلك الرسالة الموجهة والمعدة سلفا وبشكل مقصود من أجل التاثير على أفكار وأفعال الأخرين فردا أو جماعة وتوجيههما نحو هدف محدد. وقد تكون المعلومات التي تتضمنها الرسالة صحيحة أو خاطئة، ولكنها في كل الاحوال تكون معلومات موجزة ومكثفة، ناقصة وغير شاملة . ويكمننا أن نرصد ذلك عندما تقدم الأحزاب، المنظمات السياسية نفسها، او حينما تقوم الشركات بالترويج لنفسها او لمنتوجاتها.
العملية الوظيفية في تقديم (الكذبة) ذات المصداقية العالية متعلقة بـ(كم) المعلومات التي تتضمنها الدعاية وبـ( نوعيتها) ومتعلقة في كيفية دفع المتلقي للتعامل مع هذه المعلومات، لكن في كل الاحوال ليس للأمر علاقة بتقديم (كذبة) مضبوطة، لأن الذي يحدد ذلك هو المتلقي.
الدعاية ذات (الكم) في المعلومات تكون واضحة عادة في الموضوعات المهمة وفي الأحداث الكبيرة جدا أو على العكس من ذلك ، أي في الأحداث غير المهمة والسطحية من أجل منحها الأهمية وتقديمها كحقيقة واقعة. أما الدعاية ذات (النوعية) في معلوماتها فهي التي الأكثر إستقرارا في موقعها حيث تقدم نفسها في لحظة الاتصال. وفي تاريخ علم الاتصال ثمة مثال كلاسيكي لتشبيه الدعاية ذات المعلومات ( النوعية) وهو وجود كأس فيها ماء حتى منتصف الكاس، يقف عندها شخصان احدهما متفائل والآخر متشائم. (المتفائل) يقول بأن الكأس مليئة حتى منتصفها و(المتشائم) يقول الكأس فارغة حتى منتصفها، وفي كلا التقويمين فان الكأس لم تتغير وانما وجهة نظر المتلقي هي المختلفة
جذر المصطلح:
لو أردنا البحث في تاريخ الدعاية لوجدنا أنفسنا نبحث في تاريخ البشرية نفسه، فمنذ أن اخذ الانسان يعبر عن نفسه من خلال الكلمات، الكتابة، الرموز، فانه لم ينفك يبحث بشتى الوسائل، من خلال الإيهام، المبالغة، تحريف الحقائق، إعادة صياغة الأخبار، من أجل الوصول إلى هدفه. ففي تاريخ مصر الفرعونية مثلا نجد أن الفراعنة كان يلغى أحدهم الآخر ويهدم معابده ويهشم تماثيله ويكسر منحوتاته ورموزه، وقد حدث مثل هذا الأمر قبل ثلاثة آلاف عام تقريبا، وكذا الأمر في حضارة وادي الرافدين بين السومريين والأكديين وفيما بعد بين الآشوريين والبابليين وكل الأقوام التي عاشت في العراق القديم. فازالة رموز معينة أو أفكار معينة والتهيئة لإحلال رموز جديدة ومنحها الشرعية والحضور لا يتم إلا عبر عمل وتحضير ووسائل ( الدعاية).
ولم يكن المصطلح يحمل معنى سلبيا، إلا أن مضمون مصطلح ( البروباغاندا) كوسيلة للإقناع السياسي قديم جدا قدم الانظمة السياسية في التاريخ، بالرغم من أن المصطلح أستخدم لأول مرة في علم الاتصال خلال القرن التاسع عشر.
المنظر الاعلامي الألماني (كلاوس ميرتن) يعود بأصل مفهوم ( الدعاية) إلى أرسطو في كتابه ( الخطابة)، علما ان الكثير من قصص (العهد القديم) وتعاليمة يمكن تفسيرها كنصوص دعائية، فهي تحتوي على كل ما يمكن ان تحمله الدعاية من مضامين ووسائل واهداف، فهي تقدم التبريرات وتمنح الشرعية لأية أفعال عدوانية ضد المخالفين في الرأي والعقيدة والجنس والقومية، كل ذلك باسم (الارادة الإلهية) و(شعب الله المختار). وفي المرحلة الاغريقية كانت الدعاية تنحصر في السياسة الداخلية بإقناع الخصوم السياسيين والمفكرين، بينما كانت في السياسة الخارجية تعني خلق (صورة للعدو) من اجل توحيد الصف الشعبي من خلالها والاستفادة في تأجيل الكثير من المطالب الملحة للشعب ، ومن أجل منح الشرعية للحروب ولتحقيق الاطماع التوسعية واقامة الامبراطوريات، فالأمبراطورية الرومانية قامت بدعم كبير وهائل من العمل الدعائي، فالهيمنة والاحتلال والانقلابات السياسية جميعها تبحث عن الشرعية وعن التمويل ولا يمكن ذلك بدون الدعاية.
أما في القرون الوسطى ، وبالتحديد في العام 1079 حينما دخل المسلمون إلى القدس فاتحين، ثار القياصرة والبابوات والأمراء في أوروبا ضد ذلك، وفي العام 1095 بدأت الحروب الصليبية، حينها أطلق البابا أوربان الثاني خطبة دعائية للفرسان داعيا إياهم للتوجه نحو الأرض المقدسة وتحريرها من المسلمين.
لكن مصطلح ( البروباغاندا )، الحديث في اللغات الأوربية، يعود لفترة حرب الثلاثين عاما التي شهدتها أوروبا ، والمانيا بالتحديد، أي ما بين الأعوام 1618 – 1648، وكما يسميها فريدريك انجلز (حرب الفلاحين)، والتي حدثت نتيجة الانشقاق التاريخي في الكنسية الكاثوليكية بتمرد (مارتن لوثر) على الكنيسة محاولا إصلاحها دينيا ودنيويا، مما ادى إلى نشوب الحرب بين الشمال والجنوب في أوروبا، وخوفا من إنتشار أفكار (مارتن لوثر) تشكلت لجنة كنسية للدعاية، كان ذلك في العام 1622. ويؤكد البروفيسور (كلاوس ميرتن) بانه لم تكن هناك أهداف لنشر افكار خاصة، وانما كانت هناك أوراق توزع تتهم الطرف المقابل بانه مشعوذ وانه هرطوقي ومارق على الدين. إلا ان ظهور الطباعة واكتشاف المطابع أحدث قفزة هائلة في العمل الدعائي حيث صار توزيع الأوراق والكتب ليس في شتم الخصم فقط وانما في نشر الافكار والمباديء والتعاليم الخاصة ايضا.
الثورة الفرنسية منحت مصطلح (البروباغاندا) أو ( الدعاية ) بالعربية، بعدا جديدا، حيث كصار يفهم بمعنى (التنوير)، كما انها منحت الصحافة سلطة جبارة في التأثير على الجماهير، ما دفع السياسيين لأستخدامها كوسيلة اساس في الصراع السياسي. ولم يكن المصطلح يحمل معنى سلبيا قط مثلما هو عليه اليوم.
إلا أن الإستخدام المعاصر لمصطلح الدعاية جرى بأميركا وبريطانيا في بدايات القرن العشرين وبالتحديد في الحرب العالمية الأولى، حينما دعا الرئيس الاميركي ويلسون لجنة دعائية ساهم في عضويتها كبار المفكرين والمنظرين الاكاديميين أمثال جون ديوي ، فالتر لبمان، أدورد بيرنايس، كذلك حينما تاسست في بريطانيا وزارة للدعاية التي أخذت على عاتقها مهمة تحريض الشعب الأميركي ضد الألمان. و نجحت في ذلك نجاحا عظيما. وقد الف فالتر لبمان بعد ذلك كتابه الشهير ( نظرية الديموقراطية) التي كانت تؤكد على ان الشعب يتألف من طبقتين، الأولى طبقة المتخصصين الذين يمثلون مصالح الأكثرية ويقررون عنهم، والطبقة الأخرى هي طبقة الأكثرية الغالبة والذين نتيجة لنقص معارفهم تركوا للمختصين إمكانية التقرير مكانهم. وقد كانت نتيجة لمثل هذه الدراسات والبحوث أن قام المفكر الألماني فيرديناند تونيس باصدار كتابه القيم في(نقد الرأي العام). ويعد كتاب ( الدعاية ) لأدوارد بيرنايس من أهم الأعمال الفكرية في ما بعد الحرب العالمية الأولى.
الشيوعية تفهم ( الدعاية )، بمعنى ( التحريض)، وفي أدبيات الماركسية اللينينية هناك مقاطع محددة مأخوذة من أقوال ( لينين) عن دور الصحافة مشبها إياها بمنفاخ الحداد الذي يجب يوقد الجمر باستمرار. كما أنها تفهم الدعاية باعتبارها وسيلة لتهديم الأفكارالبرجوازية وبالمقابل نشر الافكار الأشتراكية، ومن هنا أولت السلطة السوفياتية الدعاية إهتماما إستثنائيا، بحيث كانت تدير ابصارهم عن الكثير من عيبوب واقعهم وتجعلهم مقتنعين بها. لكن المنظرين يفرقون بين ( الدعاية) و(التحريض)، حيث ان (التحريض) هو تقنية إعلامية تركز عادة على القضايا الانية التي لها علاقة بمصالح الناس المباشرة وبالمنفعة الاجتماعية في اللحظة المحددة وفي الوضع المحدد بطريقة انفعالية وعاطفية وذلك من أجل توجيه مشاعر الناس وعواطفهم بشكل عفوي نحو الهدف المنشود. بينما(الدعاية) على العكس فهي تسعى لتأثير طويل الأمد وليس مؤقت وبمصدافقية سياسية ومن اجل تاسيس وعي سياسي جديد من خلال مضمون الدعاية وشكلها الذي له يستمد طاقته من ايديولوجيا معينة. النازيون أعطوا الدعاية والتحريض دورا كبيرا في عملهم السياسي، حتى انهم اسسوا لذلك وزارة سميت بوزارة الدعاية والاعلام الجماهيري، وكانوا يفهمون الدعاية كتحريض.
من الناحية النظرية فان كلمة (الدعاية ) تستدعي فهما غيردقيق وموقفا سلبيا ، فقد تكون المعلومات الموجود في الدعاية صحيحة وقد تكون كاذبة ، لكن في الحالتين فان المتلقي اليوم لا يثق بها وينظر اليها باعتبارها قرينة للكذب.
( هارولد لاسويل )، (1902-1976 )، أحد الآباء في تاريخ تأسيس علم الاتصال والاعلام يعرف الدعاية كأحد أهم المفاهيم في علم الاتصال، والذي ينضوي تحته ظواهر أساسية في الاتصال مثل الاعلان والعلاقات العامة. وفي نفس الوقت يعتبرها نشاط اتصالي تحريضي واضح ومباشر. فهو لا ينظر الى الدعاية باعتبارها حقلا للنص وللاشارات وانما وضعا وفعلا اتصاليا تطلق فيه الاهداف.
المنظر الآلماني البروفيسور ( كلاوس ميرتن ) يعرف الدعاية مثل لاسويل باعتبارها فعلا وعملية اتصالية، رسالتها ومضمونها أشياء اساسية تسعى في النهاية إلى الهيمنة على المتلقي.
النظرية النقدية: جميع ممثلو النظرية النقدية من أدرنوا وهوركهايمر وصولا إلى هابرماس، إينسينسبيرغر، بروكوب، ومونخ، يؤكدون بأن السلطة السياسية تؤكد سلطتها من خلال هيمنتها على الفعل والممارسة التقنية وعلى المنظومة التقنية لأجهزتها. السيادة تتجسد في الأجهزة الإدارية، فالرأسماليون حسب مفكري النظرية النقدية يفقدون خصوصيتهم وهويتهم كقوى مسؤولة ومباشرة، وانما يمكن رصد هيمنتهم من خلال الأجهزة البيروقراطية، لكن السلطة لا يمكن ان تتجسد من خلال المؤسسات والدولة فقط وانما ايضا من خلال التأثير البشري المتجسد في تفاصيل الحياة اليومية
فمن خلال الإعلان، العلاقات العامة، وسائل الاتصال الجماهيري، يجد الانسان العادي نفسه مقادا ومتأثرا دون إرادة منه، كي يكبت حاجته للتحرر من الاستغلال والأضطهاد، ومن أجل تدجينه بحيث يمكن تقبل (العبودية) الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها، وبالتالي يفقد روح وإرادة المعارضة. وبتعبير آخر يمكن ( أتمتة ) الجمهور، وايقاظ الروح الفردية والانعزالية فيه، بحيث يبتعد عن النقاشات السياسية مع الآخرين، ويبتعد عن مشاكسة الأقوياء. واذا ما كان هربرت ماركوزة قد تحدث عن ( العبودية الديموقراطية) في مجتمع ذي بعد واحد، فأننا نجد اليوم نعوم تشومسكي يتحدث عن ( الدعاية الديموقراطية المرعبة).
نموذج الدعاية عند تشومسكي:
تشومسكي مثل اقرانه من مفكري النظرية النقدية امثال ادرنو، ماركوزة وفروم يؤكدون بأن النظام الإعلامي هو ماكنة دعائية جبارة، فهو ينظر الى الدعاية باعتبارها وسلية للهيمنة، كموثر آيديولوجي، بغض النظر عن الأسلوب والوسيلة التي تصل بها إلى مقاصدها.
في كتابيه الشهيرين ( الاقتصاد السياسي لوسائل الاعلام ) الذي كتبه مع ادوارد هيرمان، و ( هيمنة وسائل الاتصال) يقدم تشومسكي نظرة جديدة إلى عالم وسائل الاتصال الاميركية، ويقدم نموذجه حول علاقات وتداخلات وسائل الاعلام. أنه يؤكد بان وسائل الاعلام الاميركية لا تخضع لأية رقابة مباشرة من الدولة إذا ما استطاعت ان تحقق رقابتها الذاتية. ففي كتابه ( هيمنة وسائل الاتصال ) يقدم تشومسكي ( نموذج الدعاية) باعتبار نموذج وظيفي لوسائل الاعلام يكشف عن المصالح المالية والسلطوية المتشابكة مع السلطة السياسية للدولة. فنموذج الدعاية يخلق شروطا لثلاثة مستويات مختلفة:
1. شروط المستوى الأول تمس وظائف وسائل الاتصال
2. شروط المستوى الثاني تمس المناقشات والتقيمات حول علاقات وسائل الاتصال
3. شروط المستوى الثالث تمس ردود الافعال على البحوث حول سلوك وسائل الاعلام.
النتيجة العامة لكل مستوى من هذه المستويات تؤكد بأن المعلومات التي تضخ في جميع وسائل الاتصال تخدم حاجات السلطة المستقرة. ومن أجال أن يجسد تشومسكي رؤيته حول نموذج الدعاية فانه يستخدم مصطلح ( المدخل)، وهو يرى خمس مداخل تقود وسائل الاعلام.
المدخل الأول: هيمنة قلة قليلة من القوى المالية على أكبر المؤسسات الإعلامية في أميركا، فهو يجدول أكبر المؤسسات من ناحية القدرة المالية، والتأثير، والسمعة والصيت إلى أربع وعشرين مؤسسة، بينها قنوات التلفزة الوطنية، الصحف، دور نشر الكتب والمجلات، والمؤسسات التلفزيونية الخاصة جدا، وكل هذه المؤسسات هي التي تسيطر على السوق الاعلامية ليس في الولايات المتحدة فحسب وانما تؤسس للمشهد الاعلامي العالمي كله وتهيمن عليه.
المدخل الثاني: المعلنون ، ليس قاريء الجريدة أو المستمع للراديو هم المستهلكون الاساس لمنتوجات وسائل الاعلانم، وانما المعلنون ، الشركات المعلنة والتي لهم تتوجه وسائل الاعلام لتلبية رغباتهم. فالأموال المخصصة للاعلانات بحد ذاتها تشكل أكبر تحد ، وأكبر إغراء، واكبر قوة أمام وسائل الاعلام، فهي التي تحدد بقاء المؤسسة الاعلامية أو زوالها من سوق الاعلام.
المدخل الثالث: مصادر الأخبار القيمة والجادة. فمن اجل إشباع حاجات الجمهور المتلقي اليومية للأخبار تضطر وسائل الاعلام الي ايجاد تيار متدفق وغير منقطع من الأخبار المختلفة، لاسيما الأخبار التي لها علاقة بالسلطة وبالنخب السياسية والاقتصادية. ومن هنا فان على وسائل الاعلام ان تكون قريبة من مصادر الخبر السياسي والاجتماعي، وقريبة من النخب السياسية والاقتصادية، وبالتالي فانها، ومن أجل ضمان تدفق الاخبار إليها، تجد نفسها بارادتها أو دون إرادتها تهادن هذه الاجهزة، وتتحول بالتالي إلى بوق لها.
المدخل الرابع: التنظيم الاستراتيجي، وهذا المدخل يكون فاعلا في حالات خاصة فقط. فحينما تمر إحدى وسائل الاعلام بظروف مالية صعبة فليس أمامها سوى التوجه إلى الرفاق المحافظين في السلطة لتمويلهم ومد يد المساعدة إليهم أو من خلالهم إلى إيجاد مصادر مالية أخرى، والتي تنعكس بلا شك على سياسة وسيلة الاعلام. وأدائها المهني وخطابها الاعلامي.
المدخل الخامس: العداء للشيوعية والإرهاب كدين جديد للدولة. فلقد حولت وسائل الاعلام قضية العداء للشيوعية إلى أيديولوجية وعقيدة، بحيث صار أي موقف معاد لهذه النظرة وكأنه عداء للدولة والوطن وخروج على التقاليد وجريمة وطنية، ومنذ سقوط الاتحاد السوفيتي صارت وسائل الاعلام الأميركية تبحث عن صورة لعدو جديد، فمرة هو الإسلام ومرة هو الإرهاب وبأسميهما ، حقا او باطلا، تدجن وسائل الاعلام عقل وروح المتلقي الغربي.
ومن هنا فأن تشومسكي لم يختلف مع الطروحات الكلاسيكية لمفكري المدرسة النقدية في أن وظيفة وسائل الاعلام داخليا هو ترويض المتلقي وكبت مشاعره المعرضة وتدجين العبودية وتجميلها بحيث تصير مقبولة، وفي الخارج تصنع عدوا لها، تهيء الناس وتوجه مشاعر الخوف لدى الجمهور المتلقي بحيث يتفق مع أي إجراء تتخذه السلطة فيما بعد. كما يتضح، وإعتمادا على فهم المدرسة النقدية، بأن الدعاية هي جوهر العمل الاعلامي. رغم ان الأداء الدعائي نفسه يتخذ أشكالا وتوصيفات متعددة سوف نقف عندها في المحاضرة المقبلة.
من بحوث ودراسات الدكتور القديربرهان الشاوي التي نود ان تطرح للبحث والمناقشة بين أعضائنا الكرام ونستميح الدكتور الشاوي عذرا لنشره وانما نريد المنفعة العامة.
د. برهان شاوي
يفهم المرء بشكل عام تحت مصطلح (الدعاية), التي يطلق عليها في اللغات الأوربية لفظ (بروباغاندا) ، تلك الرسالة الموجهة والمعدة سلفا وبشكل مقصود من أجل التاثير على أفكار وأفعال الأخرين فردا أو جماعة وتوجيههما نحو هدف محدد. وقد تكون المعلومات التي تتضمنها الرسالة صحيحة أو خاطئة، ولكنها في كل الاحوال تكون معلومات موجزة ومكثفة، ناقصة وغير شاملة . ويكمننا أن نرصد ذلك عندما تقدم الأحزاب، المنظمات السياسية نفسها، او حينما تقوم الشركات بالترويج لنفسها او لمنتوجاتها.
العملية الوظيفية في تقديم (الكذبة) ذات المصداقية العالية متعلقة بـ(كم) المعلومات التي تتضمنها الدعاية وبـ( نوعيتها) ومتعلقة في كيفية دفع المتلقي للتعامل مع هذه المعلومات، لكن في كل الاحوال ليس للأمر علاقة بتقديم (كذبة) مضبوطة، لأن الذي يحدد ذلك هو المتلقي.
الدعاية ذات (الكم) في المعلومات تكون واضحة عادة في الموضوعات المهمة وفي الأحداث الكبيرة جدا أو على العكس من ذلك ، أي في الأحداث غير المهمة والسطحية من أجل منحها الأهمية وتقديمها كحقيقة واقعة. أما الدعاية ذات (النوعية) في معلوماتها فهي التي الأكثر إستقرارا في موقعها حيث تقدم نفسها في لحظة الاتصال. وفي تاريخ علم الاتصال ثمة مثال كلاسيكي لتشبيه الدعاية ذات المعلومات ( النوعية) وهو وجود كأس فيها ماء حتى منتصف الكاس، يقف عندها شخصان احدهما متفائل والآخر متشائم. (المتفائل) يقول بأن الكأس مليئة حتى منتصفها و(المتشائم) يقول الكأس فارغة حتى منتصفها، وفي كلا التقويمين فان الكأس لم تتغير وانما وجهة نظر المتلقي هي المختلفة
جذر المصطلح:
لو أردنا البحث في تاريخ الدعاية لوجدنا أنفسنا نبحث في تاريخ البشرية نفسه، فمنذ أن اخذ الانسان يعبر عن نفسه من خلال الكلمات، الكتابة، الرموز، فانه لم ينفك يبحث بشتى الوسائل، من خلال الإيهام، المبالغة، تحريف الحقائق، إعادة صياغة الأخبار، من أجل الوصول إلى هدفه. ففي تاريخ مصر الفرعونية مثلا نجد أن الفراعنة كان يلغى أحدهم الآخر ويهدم معابده ويهشم تماثيله ويكسر منحوتاته ورموزه، وقد حدث مثل هذا الأمر قبل ثلاثة آلاف عام تقريبا، وكذا الأمر في حضارة وادي الرافدين بين السومريين والأكديين وفيما بعد بين الآشوريين والبابليين وكل الأقوام التي عاشت في العراق القديم. فازالة رموز معينة أو أفكار معينة والتهيئة لإحلال رموز جديدة ومنحها الشرعية والحضور لا يتم إلا عبر عمل وتحضير ووسائل ( الدعاية).
ولم يكن المصطلح يحمل معنى سلبيا، إلا أن مضمون مصطلح ( البروباغاندا) كوسيلة للإقناع السياسي قديم جدا قدم الانظمة السياسية في التاريخ، بالرغم من أن المصطلح أستخدم لأول مرة في علم الاتصال خلال القرن التاسع عشر.
المنظر الاعلامي الألماني (كلاوس ميرتن) يعود بأصل مفهوم ( الدعاية) إلى أرسطو في كتابه ( الخطابة)، علما ان الكثير من قصص (العهد القديم) وتعاليمة يمكن تفسيرها كنصوص دعائية، فهي تحتوي على كل ما يمكن ان تحمله الدعاية من مضامين ووسائل واهداف، فهي تقدم التبريرات وتمنح الشرعية لأية أفعال عدوانية ضد المخالفين في الرأي والعقيدة والجنس والقومية، كل ذلك باسم (الارادة الإلهية) و(شعب الله المختار). وفي المرحلة الاغريقية كانت الدعاية تنحصر في السياسة الداخلية بإقناع الخصوم السياسيين والمفكرين، بينما كانت في السياسة الخارجية تعني خلق (صورة للعدو) من اجل توحيد الصف الشعبي من خلالها والاستفادة في تأجيل الكثير من المطالب الملحة للشعب ، ومن أجل منح الشرعية للحروب ولتحقيق الاطماع التوسعية واقامة الامبراطوريات، فالأمبراطورية الرومانية قامت بدعم كبير وهائل من العمل الدعائي، فالهيمنة والاحتلال والانقلابات السياسية جميعها تبحث عن الشرعية وعن التمويل ولا يمكن ذلك بدون الدعاية.
أما في القرون الوسطى ، وبالتحديد في العام 1079 حينما دخل المسلمون إلى القدس فاتحين، ثار القياصرة والبابوات والأمراء في أوروبا ضد ذلك، وفي العام 1095 بدأت الحروب الصليبية، حينها أطلق البابا أوربان الثاني خطبة دعائية للفرسان داعيا إياهم للتوجه نحو الأرض المقدسة وتحريرها من المسلمين.
لكن مصطلح ( البروباغاندا )، الحديث في اللغات الأوربية، يعود لفترة حرب الثلاثين عاما التي شهدتها أوروبا ، والمانيا بالتحديد، أي ما بين الأعوام 1618 – 1648، وكما يسميها فريدريك انجلز (حرب الفلاحين)، والتي حدثت نتيجة الانشقاق التاريخي في الكنسية الكاثوليكية بتمرد (مارتن لوثر) على الكنيسة محاولا إصلاحها دينيا ودنيويا، مما ادى إلى نشوب الحرب بين الشمال والجنوب في أوروبا، وخوفا من إنتشار أفكار (مارتن لوثر) تشكلت لجنة كنسية للدعاية، كان ذلك في العام 1622. ويؤكد البروفيسور (كلاوس ميرتن) بانه لم تكن هناك أهداف لنشر افكار خاصة، وانما كانت هناك أوراق توزع تتهم الطرف المقابل بانه مشعوذ وانه هرطوقي ومارق على الدين. إلا ان ظهور الطباعة واكتشاف المطابع أحدث قفزة هائلة في العمل الدعائي حيث صار توزيع الأوراق والكتب ليس في شتم الخصم فقط وانما في نشر الافكار والمباديء والتعاليم الخاصة ايضا.
الثورة الفرنسية منحت مصطلح (البروباغاندا) أو ( الدعاية ) بالعربية، بعدا جديدا، حيث كصار يفهم بمعنى (التنوير)، كما انها منحت الصحافة سلطة جبارة في التأثير على الجماهير، ما دفع السياسيين لأستخدامها كوسيلة اساس في الصراع السياسي. ولم يكن المصطلح يحمل معنى سلبيا قط مثلما هو عليه اليوم.
إلا أن الإستخدام المعاصر لمصطلح الدعاية جرى بأميركا وبريطانيا في بدايات القرن العشرين وبالتحديد في الحرب العالمية الأولى، حينما دعا الرئيس الاميركي ويلسون لجنة دعائية ساهم في عضويتها كبار المفكرين والمنظرين الاكاديميين أمثال جون ديوي ، فالتر لبمان، أدورد بيرنايس، كذلك حينما تاسست في بريطانيا وزارة للدعاية التي أخذت على عاتقها مهمة تحريض الشعب الأميركي ضد الألمان. و نجحت في ذلك نجاحا عظيما. وقد الف فالتر لبمان بعد ذلك كتابه الشهير ( نظرية الديموقراطية) التي كانت تؤكد على ان الشعب يتألف من طبقتين، الأولى طبقة المتخصصين الذين يمثلون مصالح الأكثرية ويقررون عنهم، والطبقة الأخرى هي طبقة الأكثرية الغالبة والذين نتيجة لنقص معارفهم تركوا للمختصين إمكانية التقرير مكانهم. وقد كانت نتيجة لمثل هذه الدراسات والبحوث أن قام المفكر الألماني فيرديناند تونيس باصدار كتابه القيم في(نقد الرأي العام). ويعد كتاب ( الدعاية ) لأدوارد بيرنايس من أهم الأعمال الفكرية في ما بعد الحرب العالمية الأولى.
الشيوعية تفهم ( الدعاية )، بمعنى ( التحريض)، وفي أدبيات الماركسية اللينينية هناك مقاطع محددة مأخوذة من أقوال ( لينين) عن دور الصحافة مشبها إياها بمنفاخ الحداد الذي يجب يوقد الجمر باستمرار. كما أنها تفهم الدعاية باعتبارها وسيلة لتهديم الأفكارالبرجوازية وبالمقابل نشر الافكار الأشتراكية، ومن هنا أولت السلطة السوفياتية الدعاية إهتماما إستثنائيا، بحيث كانت تدير ابصارهم عن الكثير من عيبوب واقعهم وتجعلهم مقتنعين بها. لكن المنظرين يفرقون بين ( الدعاية) و(التحريض)، حيث ان (التحريض) هو تقنية إعلامية تركز عادة على القضايا الانية التي لها علاقة بمصالح الناس المباشرة وبالمنفعة الاجتماعية في اللحظة المحددة وفي الوضع المحدد بطريقة انفعالية وعاطفية وذلك من أجل توجيه مشاعر الناس وعواطفهم بشكل عفوي نحو الهدف المنشود. بينما(الدعاية) على العكس فهي تسعى لتأثير طويل الأمد وليس مؤقت وبمصدافقية سياسية ومن اجل تاسيس وعي سياسي جديد من خلال مضمون الدعاية وشكلها الذي له يستمد طاقته من ايديولوجيا معينة. النازيون أعطوا الدعاية والتحريض دورا كبيرا في عملهم السياسي، حتى انهم اسسوا لذلك وزارة سميت بوزارة الدعاية والاعلام الجماهيري، وكانوا يفهمون الدعاية كتحريض.
من الناحية النظرية فان كلمة (الدعاية ) تستدعي فهما غيردقيق وموقفا سلبيا ، فقد تكون المعلومات الموجود في الدعاية صحيحة وقد تكون كاذبة ، لكن في الحالتين فان المتلقي اليوم لا يثق بها وينظر اليها باعتبارها قرينة للكذب.
( هارولد لاسويل )، (1902-1976 )، أحد الآباء في تاريخ تأسيس علم الاتصال والاعلام يعرف الدعاية كأحد أهم المفاهيم في علم الاتصال، والذي ينضوي تحته ظواهر أساسية في الاتصال مثل الاعلان والعلاقات العامة. وفي نفس الوقت يعتبرها نشاط اتصالي تحريضي واضح ومباشر. فهو لا ينظر الى الدعاية باعتبارها حقلا للنص وللاشارات وانما وضعا وفعلا اتصاليا تطلق فيه الاهداف.
المنظر الآلماني البروفيسور ( كلاوس ميرتن ) يعرف الدعاية مثل لاسويل باعتبارها فعلا وعملية اتصالية، رسالتها ومضمونها أشياء اساسية تسعى في النهاية إلى الهيمنة على المتلقي.
النظرية النقدية: جميع ممثلو النظرية النقدية من أدرنوا وهوركهايمر وصولا إلى هابرماس، إينسينسبيرغر، بروكوب، ومونخ، يؤكدون بأن السلطة السياسية تؤكد سلطتها من خلال هيمنتها على الفعل والممارسة التقنية وعلى المنظومة التقنية لأجهزتها. السيادة تتجسد في الأجهزة الإدارية، فالرأسماليون حسب مفكري النظرية النقدية يفقدون خصوصيتهم وهويتهم كقوى مسؤولة ومباشرة، وانما يمكن رصد هيمنتهم من خلال الأجهزة البيروقراطية، لكن السلطة لا يمكن ان تتجسد من خلال المؤسسات والدولة فقط وانما ايضا من خلال التأثير البشري المتجسد في تفاصيل الحياة اليومية
فمن خلال الإعلان، العلاقات العامة، وسائل الاتصال الجماهيري، يجد الانسان العادي نفسه مقادا ومتأثرا دون إرادة منه، كي يكبت حاجته للتحرر من الاستغلال والأضطهاد، ومن أجل تدجينه بحيث يمكن تقبل (العبودية) الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها، وبالتالي يفقد روح وإرادة المعارضة. وبتعبير آخر يمكن ( أتمتة ) الجمهور، وايقاظ الروح الفردية والانعزالية فيه، بحيث يبتعد عن النقاشات السياسية مع الآخرين، ويبتعد عن مشاكسة الأقوياء. واذا ما كان هربرت ماركوزة قد تحدث عن ( العبودية الديموقراطية) في مجتمع ذي بعد واحد، فأننا نجد اليوم نعوم تشومسكي يتحدث عن ( الدعاية الديموقراطية المرعبة).
نموذج الدعاية عند تشومسكي:
تشومسكي مثل اقرانه من مفكري النظرية النقدية امثال ادرنو، ماركوزة وفروم يؤكدون بأن النظام الإعلامي هو ماكنة دعائية جبارة، فهو ينظر الى الدعاية باعتبارها وسلية للهيمنة، كموثر آيديولوجي، بغض النظر عن الأسلوب والوسيلة التي تصل بها إلى مقاصدها.
في كتابيه الشهيرين ( الاقتصاد السياسي لوسائل الاعلام ) الذي كتبه مع ادوارد هيرمان، و ( هيمنة وسائل الاتصال) يقدم تشومسكي نظرة جديدة إلى عالم وسائل الاتصال الاميركية، ويقدم نموذجه حول علاقات وتداخلات وسائل الاعلام. أنه يؤكد بان وسائل الاعلام الاميركية لا تخضع لأية رقابة مباشرة من الدولة إذا ما استطاعت ان تحقق رقابتها الذاتية. ففي كتابه ( هيمنة وسائل الاتصال ) يقدم تشومسكي ( نموذج الدعاية) باعتبار نموذج وظيفي لوسائل الاعلام يكشف عن المصالح المالية والسلطوية المتشابكة مع السلطة السياسية للدولة. فنموذج الدعاية يخلق شروطا لثلاثة مستويات مختلفة:
1. شروط المستوى الأول تمس وظائف وسائل الاتصال
2. شروط المستوى الثاني تمس المناقشات والتقيمات حول علاقات وسائل الاتصال
3. شروط المستوى الثالث تمس ردود الافعال على البحوث حول سلوك وسائل الاعلام.
النتيجة العامة لكل مستوى من هذه المستويات تؤكد بأن المعلومات التي تضخ في جميع وسائل الاتصال تخدم حاجات السلطة المستقرة. ومن أجال أن يجسد تشومسكي رؤيته حول نموذج الدعاية فانه يستخدم مصطلح ( المدخل)، وهو يرى خمس مداخل تقود وسائل الاعلام.
المدخل الأول: هيمنة قلة قليلة من القوى المالية على أكبر المؤسسات الإعلامية في أميركا، فهو يجدول أكبر المؤسسات من ناحية القدرة المالية، والتأثير، والسمعة والصيت إلى أربع وعشرين مؤسسة، بينها قنوات التلفزة الوطنية، الصحف، دور نشر الكتب والمجلات، والمؤسسات التلفزيونية الخاصة جدا، وكل هذه المؤسسات هي التي تسيطر على السوق الاعلامية ليس في الولايات المتحدة فحسب وانما تؤسس للمشهد الاعلامي العالمي كله وتهيمن عليه.
المدخل الثاني: المعلنون ، ليس قاريء الجريدة أو المستمع للراديو هم المستهلكون الاساس لمنتوجات وسائل الاعلانم، وانما المعلنون ، الشركات المعلنة والتي لهم تتوجه وسائل الاعلام لتلبية رغباتهم. فالأموال المخصصة للاعلانات بحد ذاتها تشكل أكبر تحد ، وأكبر إغراء، واكبر قوة أمام وسائل الاعلام، فهي التي تحدد بقاء المؤسسة الاعلامية أو زوالها من سوق الاعلام.
المدخل الثالث: مصادر الأخبار القيمة والجادة. فمن اجل إشباع حاجات الجمهور المتلقي اليومية للأخبار تضطر وسائل الاعلام الي ايجاد تيار متدفق وغير منقطع من الأخبار المختلفة، لاسيما الأخبار التي لها علاقة بالسلطة وبالنخب السياسية والاقتصادية. ومن هنا فان على وسائل الاعلام ان تكون قريبة من مصادر الخبر السياسي والاجتماعي، وقريبة من النخب السياسية والاقتصادية، وبالتالي فانها، ومن أجل ضمان تدفق الاخبار إليها، تجد نفسها بارادتها أو دون إرادتها تهادن هذه الاجهزة، وتتحول بالتالي إلى بوق لها.
المدخل الرابع: التنظيم الاستراتيجي، وهذا المدخل يكون فاعلا في حالات خاصة فقط. فحينما تمر إحدى وسائل الاعلام بظروف مالية صعبة فليس أمامها سوى التوجه إلى الرفاق المحافظين في السلطة لتمويلهم ومد يد المساعدة إليهم أو من خلالهم إلى إيجاد مصادر مالية أخرى، والتي تنعكس بلا شك على سياسة وسيلة الاعلام. وأدائها المهني وخطابها الاعلامي.
المدخل الخامس: العداء للشيوعية والإرهاب كدين جديد للدولة. فلقد حولت وسائل الاعلام قضية العداء للشيوعية إلى أيديولوجية وعقيدة، بحيث صار أي موقف معاد لهذه النظرة وكأنه عداء للدولة والوطن وخروج على التقاليد وجريمة وطنية، ومنذ سقوط الاتحاد السوفيتي صارت وسائل الاعلام الأميركية تبحث عن صورة لعدو جديد، فمرة هو الإسلام ومرة هو الإرهاب وبأسميهما ، حقا او باطلا، تدجن وسائل الاعلام عقل وروح المتلقي الغربي.
ومن هنا فأن تشومسكي لم يختلف مع الطروحات الكلاسيكية لمفكري المدرسة النقدية في أن وظيفة وسائل الاعلام داخليا هو ترويض المتلقي وكبت مشاعره المعرضة وتدجين العبودية وتجميلها بحيث تصير مقبولة، وفي الخارج تصنع عدوا لها، تهيء الناس وتوجه مشاعر الخوف لدى الجمهور المتلقي بحيث يتفق مع أي إجراء تتخذه السلطة فيما بعد. كما يتضح، وإعتمادا على فهم المدرسة النقدية، بأن الدعاية هي جوهر العمل الاعلامي. رغم ان الأداء الدعائي نفسه يتخذ أشكالا وتوصيفات متعددة سوف نقف عندها في المحاضرة المقبلة.